ذهبت إلي مملكة البحرين لأول مرة في حياتي، بالتأكيد لم تكن عطلة أو أجازة، ولكن زيارتي كانت زيارة عمل بحتة، ولكني استمتعت كثيراً بهذا البلد الجميل، وأكثر ما أمتعني فيها وأعجبني أهل هذا البلد، لما يتمتعون به من كرم الضيافة وبشاشة الوجه وطيب النفس وحسن الخلق، وأكثر من ذلك بل أهمه علي الإطلاق أنه شعب محبٌ للعمل، لا يأنف أهله أن يعملوا بأي عمل شريف، ولن تجد هنالك من يصمم علي أن يبدأ حياته مديراً لشركة استثمارية أو رئيساً لقطاع حكومي، بل ستجد من يعمل سائقاً ويعمل حارساً وعاملاً، رغم أنه بلد يمتلك خيراً كثيراً ونفطا، ولكن هذا الشعب يحب أن يكون شعباً منتجاً عاملاً.
**********
كنت نزيلاً في أحد الفنادق البحرينية الفخمة أثناء زيارة العمل التي قضيتها هناك، ولم أكن معتاداً علي مثل هذا الجو في اعتياد حياتي، ولكنها تجارب وأيام، وكانت في هذا الفندق شقراء جميلة ذات ملامح صارمة، ولكنه ورغم صرامة تقاسيم وجهها إلا أنها كانت تشع جمالاً وأنوثة، وكانت تأتي إلي الفندق كي تعزف علي آلة البيانو للنزلاء في بهو الفندق.
مازالت ألحان موزارت التي كانت تعزفها كل ليلة عالقة برأسي، كانت في كل يوم تداعب أحاسيسي وتطلق مشاعري المحبوسة وراء قضبان الزمن منذ سنوات، كانت تأتي في ردائها الأحمر- عادة- تختال من ورائها العيون، ثم تجلس معتدلة كأنثى الطاووس أمام البيانو وتبدأ في مداعبة مفاتيحه بأصابعها في نعومة ويسر، فتخرج هذه المداعبة ألحاناً تدور بي في فلك من السحر وبحر من الذكريات.
**********
قضيت نصف شهر ديسمبر الماضي في مملكة البحرين حيث كنت أعد لملتقي قادة الإعلام العربي الأول الذي ضم نخبة بارزة من قيادي المؤسسة الإعلامية العربية، وعقب وصولي للملكة تلقيت دعوة من الشيخة مي آل خليفة وزيرة الثقافة والإعلام في المملكة لحضور حفل موسيقي في منطقة تسمي " البيوت "، لم يتبادر إلي ذهني أن منطقة البيوت هذه علي الشكل الذي رأيته، فعندما ذهبت إلي هناك وجدت نفسي أمام مشروعٍ ثقافي تاريخي ضخم، حيث عملت وزارة الثقافة في المملكة علي تجسيد التراث البحريني وإحيائه من جديد عن طريق ترميم البيوت القديمة وإعادة بنائها في مدينة " المحرق ".
كنت وأنا أسير بين البيوت هذه في شوارعها الضيقة أري الأبواب العتيقة التي تميزت بها بيوت المدينة فيما مضي، فيتجسد التاريخ حياً في أعماقي، وأتعايش مع التفاصيل بكل ما تحمله من عبق التاريخ والأيام التي خلت.
حقيقة لقد بهرني ما رأيته في هذه النماذج الحية التي تجسد التاريخ المعاصر لمملكة البحرين في عملٍ يشكر عليه كل من قدم فكرة أو مساعدة من أي نوع من أجل إنجاز هذا العمل القيم، الذي سوف يعطي الأجيال البحرينية شخصيتهم وسيحافظ علي هوية هذا البلد الصغير والجميل.
**********
ضم ملتقي قادة الإعلام الذي عقد في مملكة البحرين العديد من الشخصيات الإعلامية البارزة علي مستوي العالم العربي، من وزراء إعلام ورؤساء محطات فضائية ورؤساء تحرير صحف، كما ضم عدد من رؤساء المنظمات العالمية المرتبطة بالإعلام والصحافة، ولكني هنا أود الإشارة إلي أمر لفت نظري بشدة خلال هذا الملتقي، حيث كان الملتقي يتضمن جدول أعمال به ثلاث جلسات علي مدار يومين، وكانت الجلسات طبعاً لها ميعاد محدد، وكنت أنا من يأخذ علي عاتقه تنبيه الضيوف المشاركين بمواعيد الجلسة قبل انعقادها، وكنت أعاني حقيقة من هذا الأمر لأن الجلسة كانت تبدأ في العاشرة صباحاً وكل المدعوين لا يحضر أحد منهم في الميعاد المحدد وكنت أضطر إلي الذهاب إليهم وحثهم علي دخول الجلسة، وتنبيههم بأن الجلسة سوف تبدأ، كنت أفعل ذلك مع كل المدعوين إلا واحداً منهم وهو رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين والذي كان يتواجد في مكان انعقاد الجلسة قبل بدايتها بربع ساعة علي الأقل، وهو بالطبع ليس عربي، وأنا لا أقصد الإساءة ولكني كنت أسمع الناس يتحدثون عن المواعيد ويفرقون بين الميعاد الانجليزي و الميعاد العربي، مما يعني أن الميعاد الانجليزي أو " الخواجاتي " عموماً أضبط من الميعاد العربي، وهذه نقطة نظام أحببت أن أنقلها إلي القارئ..