إن كثيراً من الناس يكثرون من السؤال والبحث عن " الحب الحقيقي"، فالبعض يسأل: هل هناك أصلاً شئ اسمه الحب الحقيقي في ظل هذا العالم المادي؟! أم أن الحب الآن قد أصبح كالوجبات السريعة في عالم سريع؟! والبعض الآخر- وهم قلة- يسألون: إذا كان هناك حب حقيقي فأين نجد ذلك الحب؟ وهناك من يقول بأن هذا المصطلح هو مجرد حقنة مخدرة تريحنا قليلاً من عنت الحياة ومشاكلها حتى وإن كانت هذه الحقنة المخدرة هي في الأساس مجرد حقنة نفسية ليس إلا.
هناك رأيٌّ من الآراء التي تريحني علي مستواي الشخصي، بل إن هذا الرأي قد تحول عندي إلي قناعة ثابتة أثبتت صحتها أيام الحب والهوى التي قضيناها في كبدٍ وسهدٍ وعناء وسهر لليالي، هذا الرأي قاله أديبٌ قتلَ الحبَ كتابةً؛ فقد قال " لا يمكن للمحب أن يشعر بقوة الحب وسطوته إلا إذا قال لمن يحبه.. يا أنا".
تلك هي الحقيقة الثابتة التي تمكننا من الحكم علي الحب إذا كان حقيقياً أو مزيفاً، أو إذا كان الحب موجوداً ولكن إلي أي درجة هو حقيقي ومكتمل، وأنا للحقيقة لا أعتبر الحب بين شخصين حباً كاملاً إلا إذا انتهي هذا الحب بالزواج، وهذا لا يعني بالضرورة أنه ليس هناك حباً حقيقياً بين شخصين دونما زواج، ولكنه لا يكتمل إلا بالزواج مهما كانت درجة هذا الحب وعنفوانه.
فالإنسان كثيراً ما يهوي ويحب، ولكن إلي أي مدي سيستمر هذا الحب قبل أن يصبح مجرد جلد ميت، موجود ولكننا لا نستطيع أن نشعر به، فالجلد عندما يموت تستطيع أن تري مكانه من جسمك لكنك لا تستطيع أن تشعر به بعد موته، هكذا هي حكايات الحب القديمة، تترك أثراً في قلبك وفي نفسك، ولكن مع الوقت تتحول إلي جرح ميت له مكان في جسدك ولكن لا تستطيع أن تشعر به.
ولكن الزواج هو المنقذ الوحيد دون تحويل الحب إلي جرح ميت في القلب، وبدونه يبقي الحب حباً لكنه لا يكون حياً في القلب، بل يصبح مجرد ذكريات تمر عبر شريط من الأحداث بعضها حلو وبعضها الآخر مُر، ولكنها علي أي حال تبقي مجرد ذكريات.
لم أكن أتخيل أن تُخمد نار حبها في قلبي هكذا، فقلبي كان مريضاً بحبها مرضاً شديداً ولم أكن أتصور ساعتها بحال من الأحوال أن يكُفَّ قلبي عن لوعة الاشتياق إليها مهما كانت ظروف الحياة والأحوال، حتي وإن نال من هوانا الفراق، ولكن لم يبقي لي إلا مجرد ذكريات.. فقط ذكريات، لأنني ورغم حبي الشديد لها لم أستطع يوماً بأن أناديها.. يا أنا.
والآن عندما أسمع فيروز وهي تشدو: يا أنا.. يا أنا، تبدأ الذكريات تتسرب إلي عقلي ونفسي، ولكن دونما إحساس جارف، ولكن هذه الكلمات تؤكد لي في كل مرة أسمعها فيها أن حبي لها لم يكتمل، لأنني ببساطة لم أستطع أن أقول لها: يا أنا.
إن علاقة المحب بحبيبته حتي تكون كاملة لابد وأن تمر بمراحل خمسة، والأولي هي القبول وهذه المرحلة بالتحديد مرحلة ربانية ليس لنا يد فيها أبداً، فأنت تتقابل مع شخص من الأشخاص ربما تهضمه وربما لا، والمرحلة الثانية بعد القبول هي الإعجاب، لأنك لو قبلت شخصاً وتقبلت تصرفاته فمن الطبيعي أن تعجب بالكثير منها، والمرحلة الثالثة هي الحب ، فبعد الإعجاب يأتي الحب، وتجده شيئاً فشيئاً يتسرب إلي قلبك في خفوت كما يتسرب ضوء القمر في الليلة الظلماء فينير بضوئه الدروب، ثم تأتي المرحلة الرابعة وهي العشق وهذه المرحلة تعتبر تطوراً طبيعياً للحب الحقيقي، وأخيراً المرحلة الخامسة وهي " يا أنا " وهي عبارة عن ذوبان الروحين في بعضهما البعض، يفكران بعقل واحد، ويحبان بقلب واحد، ويعيشان بنفس واحد.
ومن أجل ذلك تجد أن الحب هو مرحلة ثالثة وليست أخيرة في العلاقة، ويبقي لكمال هذه العلاقة مرحلتان هما العشق والذوبان، والذي يعني أن تقولها بملء الفم لحبيبتك " يا أنا ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق