تزداد يوما بعد يوم حدة واستماتة بعض وسائل الإعلام في الدفاع عن مصالحها، أو بالأحرى الدفاع عن مصالح من تمثلهم هذه الوسائل أو من يمولونها، سواء كانت تمثل تيارا سياسيا أو كيانا اقتصاديا مرتبطا بوضع سياسي معين أو حتى مرتبطة بالإعلانات ورغبات المعلنين. فقد صارت بعض هذه الوسائل الإعلامية أبواقا تزعج هدوءنا وتؤذي أعيننا وتهدد السلم العام وتضرب وحدة المجتمع.
المسألة مسالة ضمير وإحساس بالمسئولية الوطنية، ونحن لم نكن ولن نكون أوصياء على أحد أو نزايد على وطنية أحد، ولكننا عندما نجد أوطاننا تنهار تحت أقدام إعلام غير مسئول يسعى إلى تأجيج الفتنة ويحرض أبناء الشعب الواحد ضد بعضهم البعض هنا يجب أن نمارس بعضا من الإنسانية والضمير المهني ونقول: بأن الحرية والديمقراطية التي تنادي بها بعض الشعوب العربية ويسعى إليها الشباب تؤرق مضاجع البعض وتهدد مصالحهم التي بنوها من خلال امبراطوريات الفساد التي قمعت الشعوب وقتلت الحلم في نفوسهم، فأصبحوا مدمنين للخنوع والانبطاح، حتى أن خبر موت الشباب المتعلم الواعي الذي كان من المفترض أن يبني بسواعده الوطن لا يشكل عندهم أي فرق وأصبح الناس يستمعون لهذه الأخبار كأنهم يستمعون للنشرة الجوية!!
استطاع إعلام "الكنبة" أن يجل احساس البعض متبلدا وأن يقلب الحقائق ويزيف الواقع، ولكن الأسوأ هو أن يتجاوب الناس مع هكذا إعلام ويصدقونه وهم يعرفون في قرارة أنفسهم أنه إعلام مضلل ومزيف، بل إنه إعلام قاتل بكل ما للكلمة من معنى، ولكن الناس يؤثرون السلامة ويحاولون أن يتعايشوا مع نفوسهم اللوامة التي تلومهم ليل نهار على خنوعهم وانبطاحهم وتسليمهم عقولهم وأنفسهم لهذا النوع من الإعلام.
قبل أيام انتقل إلى رحمة الله الكاتب الساخر الكبير جلال عامر، وكان موته إثر أزمة قلبية تعرض لها عندما وجد أبناء الوطن الواحد يتقاتلون مع بعضهم البعض نتيجة تحريض هذا النوع من الإعلام للناس، فلم يستطع الساخر أن يتحمل هذا المشهد فأصيب بأزمة قلبية على الفور وسقط ميتا بعدها بيوم في المستشفى.
إننا عندما نصف هذا النوع من الإعلام الذي يعمل من أجل المصالح الضيقة والصغرى ونقول بأنه إعلام قاتل فنحن نعني ذلك حرفيا، فلقد أصبح الإعلام لدى البعض آلة للقتل والتكسب السياسي على حساب أي شيء حتى ولو كان على حساب أرواح الناس.